لطالما أحيط الملف اليمني بأعلى درجات الاهتمام من قبل العائلة المالكة في السعودية، التي ترى ضرورة أن يبقى الوضع في اليمن تحت السيطرة الدائمة من قبلها، إضافةً إلى بقاء رجالها هناك متأهبين لمواجهة أي طارئ قد يعمل على خلط الأوراق السعودية في البلاد وعدم ابتعادها عن دائرة التحكم. ولا شك في أن تولي الأمير سلمان بن عبد العزيز لولاية العهد، مع استمرار امساكه بحقيبة وزارة الدفاع في الوقت ذاته، سينعكس بالضرورة على الوضع اليمني، من باب العناصر المحلية المستفيدة من المخصصات المالية التي تمنح لها من خزينة «اللجنة الخاصة».
وتسود خشية لدى الذين يتسلمون رواتب شهرية من المملكة، من اتخاذ ولي العهد الجديد قرارات تعيد ترتيب أوراق تلك «اللجنة الخاصة». هذه المخاوف، دفعت رجال السعودية في اليمن إلى ترتيب أوراقهم والتهيئة بشكل مبكر لفتح منافذ جديدة، تسمح لهم بالتواصل السلس مع رجل المملكة الأول في نسخته الجديدة.
من هنا، يمكن تفسير الاهتمام الكبير الذي أولته العناصر المحلية الموالية للمملكة، في طريقة تعاملها مع خبر وفاة الأمير نايف. وتسابقوا على الوصول إلى السعودية في رحلات جوية عاجلة لتقديم التعازي، وفي مقدمتهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح وكبار رجال السعودية في صنعاء، الذين يدركون جيداً أن الوضع لن يكون على ما كان عليه في السابق.
فمن جهة، هم يعرفون أن اهتمام ولي العهد الجديد بالشأن اليمني ليس على نفس درجة اهتمام أولياء العهد السابقين، بدايةً من الأمير سلطان الذي تولى الملف اليمني منذ انتصار «ثورة سبتمبر» اليمنية في العام 1962 وقام بتأسيس اللجنة الخاصة وصندوقها، وضخت عبره أموالاً طائلة على المشايخ والساسة الذين كانوا لا يمانعون في تنفيذ سياسة سعودية معينة، تعمل على قطع الطريق أمام حدوث أي تقدم يمني باتجاه المدنية والتحديث. وهو نفس الاهتمام الذي تواصل مع صعود الملك عبد الله إلى الحكم، وإيلائه الملف اليمني اهتماماً خاصاً تبلور بشكل صريح في إشرافه المباشر على ملف المبادرة الخليجية، التي كانت مولوداً سعودياً خالصاً لكن بغطاء خليجي - أميركي. وعمل من خلال المبادرة على إيجاد مخارج آمنة، وقت المملكة من تبعات ثورة الشباب اليمنية. وهو الأمر الذي نجحت السعودية فيه إلى حد بعيد من خلال الابقاء على بنيان النظام السابق مع التضحية برأسه المتمثل في الرئيس السابق.
لكن يبدو أن الوضع لن يكون على هذا المنوال مع الأمير سلمان، الذي عُرف عنه اعطاؤه الأولوية لتوطيد علاقاته الداخلية. من هنا، يمكن ترجيح أن التفاتة ولي العهد الجديد للملف اليمني ستتأخر لفترة ما، ريثما يقدر على الإمساك بمقاليد الأمور في الداخل السعودي وترتيب أوضاع البيت الكبير. ولن يتقدم سريعاً في إعادة قراءة الملف اليمني، الذي يبدو أنه سيبقى لفترة ما في أيدي العناصر السعودية التي تمسك به منذ رحيل الأمير سلطان، والتعامل معه بحسب ما تقضيه الحاجة وتطورات الوضع الداخلي اليمني. وهو الوضع الذي يبدو أنه لا ينال في الوقت الحالي درجات كبيرة من الرضى. اذ أدى إنشاء مجموعة من المثقفين اليمنيين لـ«حركة عسير» التي تهدف إلى «استعادة الأراضي اليمنية من الاحتلال السعودي»، إلى المساهمة في اتخاذ السعودية قراراً قضى بتأجيل مؤتمر المانحين لليمن إلى أجل غير مسمى، بعدما كان من المقرر له أن يعقد في السعودية الأسبوع الماضي. وكشفت مصادر يمنية مطلعة لـ«الأخبار» أن هذا التأجيل جاء كرد غير مباشر، يقول باستياء المملكة من قيام هذه الحركة، بما يناقض الاتفاقيات الحدودية التي تم التوقيع عليها بين البلدين، وعملت على إغلاق هذا الملف.
[عن جريدة "الأخبار" اللبنانية]